المقالات
الأكزيما: الأعراض والعلاج وما علاقتها بالطعام؟
تُعدّ الأكزيما البنيوية أو التهاب الجلد التأتّبي من أكثر الأمراض الجلدية المزمنة شيوعاً، وتؤثر في نوعية حياة المريض اليومية من حيث المظهر والراحة الجسدية والنفسية. ورغم كثرة الدراسات حول دور العوامل الوراثية والمناعية، ما يزال الكثيرون يربطون بين الأكزيما ونوعية الطعام، الأمر الذي يثير تساؤلات علمية متكررة حول مدى صحة هذا الارتباط.
في هذا المقال، نستعرض تعريف الأكزيما البنيوية وأعراضها وطرق علاجها والوقاية منها، مع تسليط الضوء على أحدث الأبحاث التي تناولت علاقتها بالغذاء ونظرية النظافة الزائدة.
ما هي الأكزيما البنيوية؟
الأكزيما البنيوية (Atopic Dermatitis) مرض جلدي مزمن وغير معدٍ يُصنَّف ضمن أمراض التحسس المناعي، تظهر غالباً في الطفولة المبكرة، وقد تستمر في بعض الحالات حتى مرحلة البلوغ.
تتميّز بضعف الحاجز الجلدي، ما يجعل البشرة أكثر عرضة للجفاف والالتهاب، كما تلعب العوامل الوراثية والمناعية دوراً رئيسياً في تطورها.
الأعراض والمظاهر السريرية
تتنوع الأعراض من شخص لآخر، إلا أن المظاهر الأكثر شيوعاً تشمل:
- جفاف وتشقق الجلد المستمر.
- حكة شديدة تزداد في الليل وتؤثر في النوم.
- بقع حمراء ملتهبة خاصة في الوجه، العنق، وثنيات المرفقين والركبتين.
- سماكة الجلد نتيجة الحكّ المتكرر في الحالات المزمنة.
- التهابات ثانوية نتيجة دخول البكتيريا عبر الجلد المتشقق.
العلاجات المتاحة
رغم عدم وجود علاج شافٍ نهائي للأكزيما البنيوية، فإن السيطرة على الأعراض ممكنة من خلال خطة علاجية متكاملة تشمل:
- المرطبات الجلدية: أساس العلاج للحفاظ على رطوبة البشرة.
- الكورتيكوستيرويدات الموضعية: لتخفيف الالتهاب لفترات قصيرة حسب توجيه الطبيب.
- مثبطات المناعة الموضعية (تاكروليموس): بديل آمن عن الكورتيزون في بعض الحالات.
- مضادات الهيستامين: لتقليل الحكة وتحسين النوم.
- المضادات الحيوية: عند حدوث التهابات جلدية ثانوية.
- العلاجات البيولوجية الحديثة للحالات الشديدة التي لا تستجيب للعلاجات التقليدية.
طرق الوقاية والعناية اليومية
العناية بالبشرة المصابة بالأكزيما تتطلب التزاماً يومياً يشمل:
- استخدام مرطبات بشكل منتظم بعد الاستحمام.
- تجنّب الحمامات الساخنة الطويلة والاكتفاء بالماء الفاتر.
- ارتداء ملابس قطنية ناعمة والابتعاد عن الأقمشة الخشنة كالصوف.
- تجنّب العطور والمنظفات القوية والمهيجات الكيميائية.
- الحفاظ على ترطيب جو المنزل خاصة في فصل الشتاء.
- تقليل التوتر النفسي الذي قد يحفز نوبات الأكزيما.
هل للطعام دور فعلي في الأكزيما البنيوية؟
لطالما اعتقد كثير من المرضى أن بعض الأطعمة مثل البيض أو الحليب أو المكسرات قد تسبب تفاقم الأكزيما. إلا أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الطعام ليس سبباً مباشراً في حدوث المرض.
وفق دراسة نُشرت عام 2024 في British Journal of Nutrition بعنوان:
“Dietary factors and the risk of atopic dermatitis: a Mendelian randomisation study”، لم يجد الباحثون علاقة سببية واضحة بين استهلاك الأطعمة الشائعة (مثل الحليب، البيض، الفول السوداني) وزيادة خطر الإصابة بالأكزيما البنيوية. بمعنى آخر، قد يلاحظ بعض الأفراد تفاقم الأعراض بعد تناول طعام معين، لكن هذا لا يعني وجود علاقة سببية عامة تنطبق على الجميع.
نظرية النظافة الزائدة: تفسير حديث لانتشار الأكزيما
تُعرف نظرية النظافة الزائدة (Hygiene Hypothesis) بأنها أحد التفسيرات المحتملة لزيادة معدلات الأمراض التحسسية في العصر الحديث. تشير هذه النظرية إلى أن قلة التعرض للميكروبات في مرحلة الطفولة بسبب الإفراط في النظافة والبيئة المعقمة، قد يؤدي إلى اختلال التوازن المناعي وزيادة الميل للتحسس.
ويلاحظ أن الأطفال الذين يعيشون في بيئات ريفية أو يتعرضون بشكل طبيعي للحيوانات والجراثيم المفيدة، لديهم نسب إصابة أقل بالأكزيما والربو وأمراض التحسس الأخرى، هذا يؤكد أهمية التوازن في النظافة دون الإفراط في التعقيم، خاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل.
ختاماً:
الأكزيما البنيوية مرض جلدي مزمن ومتعدد العوامل، يتأثر بالعوامل الوراثية والمناعية والبيئية. ورغم أن بعض الأطعمة قد تؤدي إلى تفاقم مؤقت للأعراض لدى أفراد محددين، فإن الأدلة العلمية الحديثة تنفي وجود علاقة سببية مباشرة بين الغذاء والإصابة بالأكزيما.
بالمقابل، تشير الدراسات إلى أن قلة التعرض للميكروبات في الطفولة قد تكون من الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات المرض. لذلك، يبقى الحل الأمثل هو الترطيب المنتظم، التحكم بالالتهاب، تجنّب المهيجات، واتباع نمط حياة صحي ومتوازن.
الدكتورة رهف الخولي
دكتوراه في الأمراض الجلدية والتجميلية
